تتزايد الهجمات السيبرانية بشكل مطرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تُعد المنطقة هدفاً رئيساً لمرتكبي الجرائم الإلكترونية بسبب البنية التحتية الحيوية مثل منشآت النفط والغاز، واعتماد استراتيجيات الحوسبة السحابية والتحول الرقمي، ومع كثافة انتشار الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت، فإن هناك المزيد من نقاط الدخول المحتملة التي تمكن المهاجمين السيبرانيين من استغلالها.تتنامى مخاطر الهجمات السيبرانية في المنطقة والعالم، مع زيادة حجم الهجمات كل ثانية، وتنوع الأهداف، حيث يأتي الاستيلاء على البيانات في مقدمة أهداف المهاجمين الإلكترونيين، إضافة إلى استهداف المحافظ الرقمية والقطاعات المالية الصناعية، وفي 2023 تصدت شركة «كاسبرسكي» لنحو 150 مليون هجمة سيبرانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لذا يرتفع الإنفاق على الأمن السيبراني للمكافحة وتطوير القدرات وتطبيق نظم الحماية من المخاطر الرقمية، وقد يصل الإنفاق في المنطقة إلى 6.5 مليار دولار عام 2024.
تتعقد مهمة الأمن السيبراني مع استغلال الهواتف والأجهزة الذكية وأدوات الذكاء الاصطناعي، التي قد تساعد في الاحتيال وتمكين المهاجمين من جمع البيانات عبر الإنترنت للإيقاع بالضحية، وتكثيف الهجمات ذات الدوافع السياسية، ولأن المنطقة تواجه صراعات جيوسياسية ونشاطاً إرهابيّاً، فإن الهجمات السيبرانية يمكن أن تستخدم بشكل متزايد كأداة للحرب والتجسس من دول وتنظيمات إرهابية، لإلحاق الضرر بالبُنى المعلوماتية والاتصالات وتعطيل الأجهزة والهيئات الحكومية والمرافق الاستراتيجية، وقد تكون الهجمات السيبرانية أداة للحصول على المعلومات والتجنيد وتمويل الإرهاب والإخلال بأمن المجتمعات.
وتعمل الإمارات بمنهجية في مجال الأمن السيبراني، قوامها نشر ثقافة الحماية في المجتمع، عبر الوسائط والتقنيات الحديثة والحوكمة، وإيجاد قدرات تكنولوجية منتجة للأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وبالفعل تمتلك الدولة قدرات متقدمة في مكافحة التهديدات، ضمن استراتيجية الأمن السيبراني والإلكتروني في الدولة، وهو ما جعلها في المركز الخامس عالمياً على «مؤشر الأمن السيبراني» الذي يُصدره الاتحاد الدولي للاتصالات في الأمم المتحدة. وبالرغم من تعرضها لنحو 50 ألف هجمة سيبرانية يومياً، تتصدى الدولة للهجمات المتضاعفة سنوياً بكفاءات بشرية تستطيع التصدي للمخاطر، والاستعداد الدائم لمواجهة أي هجمات أو حروب سيبرانية، وهناك تعاون مع القطاع الخاص، ومعظم الشركات العاملة في الإمارات لديها تدابير متميزة لمنع الهجمات الإلكترونية.
وتتنوع الهجمات السيبرانية على الإمارات، فمنها برامج الفدية واستهداف قطاعات الحكومة وشركات الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والبنوك والمؤسسات المالية، لكن اليقظة الجماعية وتزويد الأفراد بالمهارات اللازمة لتحديد ومنع التهديدات السيبرانية من شأنه تحقيق «الأمن السيبراني»، مع مواكبة التشريعات والقوانين المتعلقة بالأمن السيبراني للتطور الهائل في التقنيات الحديثة.
وعلى المستوى التقني، طور مجلس الأمن السيبراني الإماراتي شبكة إلكترونية اتحادية وسحابة وطنية، وينفّذ استراتيجية الأمن السيبراني ضمن رؤية «نحن الإمارات 2031»، الهادفة إلى نجاح الإمارات في أن تكون مركزاً عالمياً للأمن السيبراني، وتستثمر الدولة في تطوير تقنياتها وقدراتها في مجال الأمن السيبراني، وجذب المواهب والكفاءات من أنحاء العالم لتطوير أدواتها في المواجهة. ويُتوقع أن تشهد السنوات القادمة ارتفاعاً في أعداد الهجمات الإلكترونية التي ترعاها الدول، مع تزايد وتيرة الصراعات الجيوسياسية، وهو ما يتطلب تعزيز التنسيق والتعاون على المستوى الدولي، بما في ذلك تطوير شراكات دولية واسعة لمكافحة الجرائم الإلكترونية وتبادل الخبرات في المجال السيبراني، والتضافر أكثر بين الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والأفراد، وتطوير واستخدام تقنيات تكنولوجية متقدمة كالذكاء الاصطناعي في التدابير الوقائية والاستباقية في المواجهة الإلكترونية.
*رئيس قطاع «تريندز - دبي» - مركز تريندز للبحوث والاستشارات